تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

الادارة ... منهج شمولي

د. علي جبران

أستاذ مشارك في الادارة التربوية

كلية التربية\جامعة اليرموك-الأردن

ينظر للادارة من وجهات نظر مختلفة, فمن الباحثين من يرى أن الادارة هي عملية توجيه للأفراد العاملين وبيان المهام الموكلة اليهم مع تقديم النصح والارشاد وكل ما يحتاجونه من معلومات ومواد من أجل ضمان سير العمل نحو الهدف المطلوب. لذلك يعرفها السمالوطي بأنها "محاولة توجيه جهود الأفراد العاملين داخل مؤسسة أو تنظيم من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف المخططة في أسرع وقت ممكن وبأقل جهد وتكلفة ممكنة وبأعلى درجة ممكنة من الكفاية". (1) ولكن يلاحظ أن هذا التعريف يقصر الادارة على عنصر واحد من عناصرها ويغفل العناصر الأخرى من تخطيط وتنظيم ورقابة.

 

وقد رأى بعض الباحثين أن الادارة أقرب الى أن تكون مهارة وفن وقدرة على استخدام ما هو متوفر من طاقة بشرية أو تسهيلات مادية. وبذلك يعرفها أبو سن بأنها "القدرة على استخدام كافة الامكانيات المادية والبشرية المتاحة بأقصى كفاية لتحقيق أهداف معينة". (2) الا أن هذا التعريف يخلو من الاجراءات العملية التفصيلية للادارة.

 

وعلى هذا المنوال ينظر بعض الباحثين الى أن الادارة فن يهدف الى تنظيم العلاقات الانسانية بين أفراد المؤسسة الواحدة. وهذا ما يؤيده شمس الدين اذ أنه يرى أن الادارة هي "فن تنظيم العلاقات والأنشطة بين الناس في المؤسسة من حيث علاقة بعضهم ببعض, ومن حيث علاقتهم بالسلطة, وعلاقة السلطة بهم, ومن حيث علاقتهم بالطبيعة". (3) ولكن الادارة تبقى أشمل وأوسع من كونها مجرد علاقات بين مختلف فئات المؤسسة, ناهيك عن اغفال عناصر الادارة الأخرى من تخطيط وتوجيه ورقابة.

 

ومن الباحثين كذلك من ينظر الى الادارة على أنها مسؤولية اشرافية تراقب العاملين وتشرف عليهم لضمان سير العمل وتحقيق الهدف. وبذلك يعرفها الهواري على أنها "ذلك العضو في المؤسسة المسؤول عن تحقيق النتائج التي وجدت المؤسسة من أجلها". (4) ولكن ومرة أخرى فقد أغفل هذا التعريف باقي عناصر الادارة من تخطيط وتنظيم وتوجيه.

 

وقد فهم آخرون الادارة على أنها هيمنة وسيطرة على الآخرين وذلك لاجبارهم على العمل بكفاءة ومهارة وبذل أقصى جهد ممكن في العمل. وفي ذلك يقول العساف: "مسترشدين بالآية الكريمة في سورة الزخرف والتي تقول "نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا". (5) فان الادارة هي الهيمنة على الآخرين لجعلهم يعملون بكفاءة تحقيقا لهدف موقوت منشود". (6) ولكن يحق لنا أن تنساءل: أين مفهوم الهيمنة من الاسلام ‍‍؟ هل أراد الاسلام من بعض الأشخاص أن يسيطروا على آخرين؟ أم أنه قصد بذلك أن ينتفع كل شخص في المجتمع بأكبر قدر ممكن من أفراد مجتمعه بروح التعاون والمؤاخاة لا بروح السيطرة والهيمنة والاذلال واحتقار الآخرين وقدراتهم والنظر اليهم على أنهم أقل منزلة ومكانة. وبذلك يفهم معنى التسخير الذي أراده الله في الآية وليست الهيمنة والسيطرة التي لا تخلو من مهانة واذلال لبعض أفراد المجتمع.

 

لكن تعريف الادارة لا بد أن يكون شاملا لكل عناصر الادارة من تخطيط وتنظيم وتوجيه ورقابة, من أجل تحقيق الأهداف المرجوة من المؤسسة. وبذلك يعرف الدكتور علاقي الادارة بأنها "العملية الخاصة بتنسيق وتوحيد جهود العناصر المادية والبشرية في المنظمة من موارد وعدد ومعدات وأفراد وأموال عن طريق تخطيط وتنظيم وتوجيه ورقابة هذه الجهود من أجل تحقيق الأهداف النهائية للمنظمة". (7)

 

اضافة الى ما سبق فان الادارة في الاسلام توجه الأفراد العاملين في المؤسسة ليس فقط الى ما فيه مصلحة العمل والمؤسسة وانما الى ما فيه مصلحة الفرد نفسه في دنياه وآخرته. بذلك فان الادارة تهدف الى ارشاد الفرد العامل الى كل ما هو خير من القيم والأخلاق الاسلامية والى الأعمال الصالحة. هذا بالاضافة الى أن الادارة في الاسلام تسعى الى تنمية الأفراد واعدادهم للارتقاء بكفاءاتهم والسعي على تطويرمهاراتهم وليس فقط توظيف طاقاتهم والاستفادة منها. لذلك فالادارة في الاسلام يمكن أن تكون تلك الأنشطة المتعلقة بتخطيط وتنظيم العمليات الخاصة بالمؤسسة من موارد مادية وبشرية, والمتعلقة بتوجيه الأفراد الى كل ما هو خير لهم في دنياهم وآخرتهم, وتنمية الأفراد وصنع القيادات منهم ومراقبة الأعمال لتحقيق الأهداف المشروعة للمؤسسة.

 

 

خصائص الادارة من المنظور الاسلامي :

 

ان الادارة في الاسلام مرتبطة بالدين نفسه مما يعطيها صبغة جديدة تميزها عن غيرها بميزات شتى من أهمها:

  1. للادارة في الاسلام ذاتية ربانية نبوية, تستمد أصولها ومبادءها من المصدرين الأساسيين: القرآن والسنة. لذلك فان أصولها ومبادءها ثابتة لا تتغير أو تتشكل وفق هوى الناس الذي يتغير بحسب الزمان والمكان. هذا بالاضافة الى أن الادارة تعتبر جزءا من أنظمة الاسلام الكلية. وبما أن أنظمة الاسلام متصلة بالخالق سبحانه وتعالى فان الادارة مرتبطة بالايمان بالله والعقيدة الصحيحة والأخلاق الاسلامية الحميدة التي تقوم سلوك الأفراد.
  1. تتميز الادارة بكمالها ونظرتها الشمولية الى الفرد والى المؤسسة. وبذلك فهي تركز على مختلف حاجات الفرد الاجتماعية والنفسية وتراعي قدراته. وفي نفس الوقت فهي تركز على جميع المتغيرات الاقتصادية والانسانية والسلوكية والسلطة الرسمية التي يمكن أن تؤثر على العملية الادارية في المؤسسة.
  2. تتسم الادارة في الاسلام بالمرونة وقدرتها على التكيف طبقا للظروف المحلية وخبرات الموظفين المختلفة ومدى توفر الامكانيات المطلوبة في المؤسسة. بمعنى أنها لا تتمحور حول قوانين حرفية تعقد الأمور وتؤخر العمل. الا أنها تبقى تسير وفق نظام محدد وقوانين معلومة تساعد على سير العملية الادارية بنجاح.
  3. ان الادارة في الاسلام ليست محايدة بالنسبة الى المضمون المعنوي الاعتقادي لمجتمع المؤسسة المسلم الذي تتولى ادارته. بل هي منحازة وملتزمة بهذا المضمون وتتحمل مسؤولية تقويم سلوك من يشذ من أعضاء المؤسسة عن هذا المضمون شذوذا واضحا يناقض الوضعية العامة للمؤسسة وينتهك آدابها وأخلاقها. وان نظام الحسبة الذي أنشىء في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب والذي يضمن النظام في الدولة الاسلامية ويقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليمثل مؤسسات الادارة الاسلامية. ونظام الحسبة هذا "يعبر في جانب مهم من اهتماماته عن هذه الطبيعة المميزة للادارة في الاسلام, وهي كونها معنية بالمضمون الداخلي للمجتمع وليست مجرد اجراءات وأوامر ونواهي تنظيمية فنية محضة". (8) ولذلك فقد لوحظ أن نظام الحسبة الى جانب عنايته بتنظيم العلاقات في السوق والأحياء والأماكن العامة من الناحية الفنية, فانه يلتزم بالمحافظة على المضمون المعنوي للمجتمع وذلك بالتركيز على أخلاقيات المجتمع ومضمونه العقدي.
  4. ان الادارة في الاسلام تضيف بعدا جديدا على العملية الادارية ألا وهو البعد الأخلاقي, فلا ادارة بلا أخلاق كما أنه لا يوجد مؤسسة اسلامية بال أخلاق. بذلك أصبحت كل عناصر الادارة ممزوجة بالقيم والأخلاق الاسلامية.

 

 

_____________________________________

 

(1)   السمالوطي, نبيل, التنظيم المدرسي والتحديث التربوي: دراسة في اجتماعيات التربية, جدة: دار الشروق, الطبعة الثانية, 1986, صفحة 16

(2)   أبو سن, أحمد ابراهيم, الادارة في الاسلام, دبي: المطبعة العصرية, 1986, صفحة 171

(3)   شمس الدين, محمد مهدي, نظام الحكم والادارة في الاسلام, بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع, 1991, صفحة 469

(4)   الهواري, سيد, الادارة: المبادىء والأسس العلمية, القاهرة: مكتبة عين شمس, 1982, صفحة 6

(5)   سورة الزخرف, آية 32

(6)   العساف, محمود, أصول التربية, القاهرة: دار النشر العربي, 1976, صفحة 13

(7)   الضحيان, عبد الرحمن, الادارة في الاسلام, جدة: دار الشروق, 1986, صفحة 22

(8)   شمس الدين, مرجع سابق, صفحة 470