تقييم المستخدم: 5 / 5

تفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجوم
 

 

الحكومة الإلكترونية... مقدمة

إن على أي حكومة أن تطور أساليبها باستمرار لمواجهة التغيير المطلوب, بل انه أصبح من الضروري إعادة النظر كليا بنموذجها الإداري وابتكار نموذج آخر جديد, يتمكن من مواصلة التقدم لتحقيق الأهداف العليا للدولة. لذلك فان كثيرا من الدول اتبعت منهجاً ارتقائيا من خلال التحول من النموذج الكلاسيكي للحكومة إلى النموذج الإلكتروني، وذلك من أجل تمكين المواطن والموظف الحكومي من استيعاب التغيرات الطارئة والعمل على إتقان الأساليب الحكومية الجديدة. إن هذا النموذج الالكتروني الجديد هو الوحيد القادر على الاندماج في المحيط الاقتصادي والاجتماعي الخارجي الذي يتسارع لدخول فضاء المجتمع المعلوماتي, وبذلك فان على الحكومات أن تنتهج سياسات إستراتيجية مستقبلية من أجل الحفاظ على وجودها, والتمكن من الاستمرار في التأثير على جميع مجريات الدولة.

 

إن الحكومة الإلكترونية هي الوجه الآخر للحكومة الحقيقية الكلاسيكية بحيث تكون الأولى ضمن الشبكات والأنظمة المعلوماتية والتكنولوجيا, وتماثل مهمات الثانية التي تتواجد بشكل مادي في أجهزة الدولة. وقد عرفت الحكومة الالكترونية بأنها قدرة المؤسسات الحكومية المختلفة على تقديم الخدمات والمعلومات التقليدية للمواطنين بوسائل الكترونية, وبسرعة وقدرة عالية, وبتكاليف ومجهود أقل, وفي أي وقت ومن خلال موقع واحد على شبكة الانترنت. وبشكل مبسّط يمكن أن ينظر إلى الحكومة الإلكترونية كونها تهدف إلى تقديم الخدمات الحكومية على اختلافها عبر الوسائط الإلكترونية وأدوات التكنولوجيا وأهمها الإنترنت والاتصالات.

 

أهداف الحكومة الإلكتروني

إن الهدف الرئيس من إنشاء الحكومة الالكترونية هو استخدام الإمكانيات الهائلة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في زيادة قدرة الحكومة على توفير المعلومات والخدمات آلياً لجمهور المستفيدين, مما ينتج عنه التقليل من التزاحم على دوائر الدولة والأجهزة الحكومية, وكذلك مشاركة الجمهور في صنع القرار من أجل تحقيق مبادئ الشفافية والعدالة الكاملة في المحافظة على مستويات عالية لجودة الخدمات.

 

أقسام الحكومة الإلكترونية

تتوزع أعمال الحكومة الالكترونية على أربعة محاور رئيسية, أولها الخدمات الالكترونية، وهي عبارة عن مجموعة الخدمات العامة التي تقدمها الحكومة للمواطنين والمؤسسات ضمن التشريعات المعمول بها في البلاد. ثم الديمقراطية الإلكترونية والتي تهتم بقضايا حساسة على مستوى البلاد وصورتها الديمقراطية, بحيث تعالج موضوعات مشاركة المواطن في عملية المحاسبة والمساءلة عبر تقديم المعلومات الكافية عن أداء الحكومة عبر الإنترنت ووسائل التكنولوجيا المختلفة. وثالثها التجارة الحكومية الإلكترونية وهي التي تتضمن معاملات قد ينتج عنها مسائل مالية مثل تنفيذ المشتريات الحكومية عبر الإنترنت واستيفاء الرسوم الناتجة عن الخدمات العامة وغيرها. وأخيرا الإدارة الإلكترونية والتي تمثل العمود الفقري للحكومة الإلكترونية، وتشكل العمليات الداخلية التي لا تظهر للمواطن أو المؤسسة بشكل مباشر بل عبر نتائجها من قبيل إدارة علاقات المواطنين والمؤسسات وربط الإدارات العامة والوزارات معا. إلا أن هذا المقال سيركز على المحور الأول المتمثل بالخدمات الالكترونية.

 

الخدمات الإلكترونية

الخدمات الالكترونية هي عبارة عن مجموعة الخدمات العامة التي تقدمها الحكومة للمواطنين والمؤسسات, ضمن التشريعات المعمول بها في البلاد عبر الإنترنت, من أجل تحقيق الكفاءة الداخلية. وبذلك فإنها تشمل جميع الخدمات العامة التي تقدمها الحكومة لجمهورها, مثل تجديد رخصة القيادة، وإصدار شهادات الميلاد، والتصريح عن الدخل، والاشتراك في خدمات الجوال الحكومية، والاستعلام عن حالة الطقس، والتعليم الإلكتروني, وخدمات تراخيص البناء, وخدمات تأسيس الأعمال التجارية, وخدمات حماية المستهلك, وحماية حق النشر والتأليف, وخدمات حماية البيئة, والخدمات القانونية للمواطنين, وقطاع الأعمال, ونظام خدمات التخليص الجمركي, وخدمات المشتريات الحكومية, وخدمات التوظيف بالمؤسسات الحكومية, ومواقع للنقاش من خلال تفعيل خدمة الحكومة التشاركية وغيرها. ونظراً لطبيعة الحكومة الإلكترونية فإنها من الممكن أن تقدم تلك الخدمات على مدار اليوم، ويفضل بناء بوابة إلكترونية موحّدة للدخول إلى تلك الخدمات التي يتم تنظيمها وتجميعها ضمن باقات خدمية تعكس حاجات المواطن. وبالإضافة إلى الإنترنت كوسيلة لطلب تلك الخدمات, فمن الممكن للحكومة أن تقدم جزءاً منها عبر قنوات أخرى كالهاتف الجوال وأكشاك المعلومات العامة أو عبر مكاتب معتمدة لخدمة المواطنين الذين لا يملكون ثقافة التكنولوجيا.

 

استراتيجيات النجاح

إن أهم إستراتيجيات نجاح الحكومة الإلكترونية يكمن في ضرورة تغيير طريقة التفكير الإدارية في مجال العمل العام بحيث تنتقل تدريجياً من البيروقراطية التي ترسخ الروتين, إلى الشفافية والإبداع والإيمان بضرورة الإتيان بجديد، مع أهمية دعم كبار رجالات الدولة لعملية إعادة صياغة الحكومة الكلاسيكية من جديد وتبنيهم للتغيير. إن هناك ضرورة لاستخدام الآليات التي تتيحها تطبيقات الحكومة الإلكترونية لتطوير الأداء الحكومي وتسهيل أساليب تقديم الخدمة للمواطنين مع الحفاظ على عناصر الأمان والسرعة والدقة في تقديم تلك الخدمات. ثم انه من الضروري اعتماد مركز موحد للخدمات والمعلومات الحكومية من باب التسهيل على مختلف المواطنين. يشار هنا إلى أهمية أن تصل الحكومة الإلكترونية إلى جميع طبقات المجتمع من الفقراء إلى الأغنياء والتقنيين وغير الملمين بالتكنولوجيا في إطار ما يسمى عملية الاستيعاب المجتمعي، وإلا سوف يقتصر النموذج الحكومي الجديد على الأشخاص الملمين بتكنولوجيا المعلومات.

 

إن هذا التغيير في الأداء الحكومي يتطلب تغييرا في الثقافات, وتحولا مجتمعيا يتيح تنوع قنوات تقديم الخدمات بسهولة وأمان. ومن الأسئلة التي تتبادر إلى ذهن من يخطط لتطوير الخدمات الحكومية الالكترونية والتي تحتاج إلى إجابات من سلطة الحكومة الالكترونية:

كيف يتم استكشاف وتصنيف الخدمات الالكترونية على مختلف المستويات؟

ما هو مستوى التكنولوجيا المطلوب من أجل تطوير الخدمات الالكترونية؟ 

ما هي الإجراءات المطلوبة لحماية أمن الخدمات الالكترونية؟

هل يتوفر دليل إلكتروني بالخدمات الحكومية؟

 

لذلك فانه من المهم قبل الشروع بتنفيذ الخدمات الحكومية الالكترونية أن تقوم الإدارة المخولة بدراسة مراحل إنتاج تلك الخدمات ابتداء من البحث عن الخدمة المراد تطويرها إلكترونياً ووصولاً إلى إطلاقها الفعلي على الانترنت. لذلك لا بد ابتداء من استكشاف حقيقة الخدمات, حيث تعمد إدارة الحكومة الالكترونية في بداية برنامجها التطويري إلى استكشاف الخدمات الحكومية عبر الإطلاع على وظائف وخدمات الأقسام في مختلف الوزارات والإدارات العامة. ثم تقوم بتصنيف الخدمات الحكومية حسب حاجات المواطنين والمؤسسات. ثم تأتي مرحلة تصميم الخدمات الإلكترونية ورسم مسارات عملها وكيفية تواصلها مع الأنظمة الموجودة في المؤسسات من أجل الحصول على بيانات ومعلومات لصالح المستفيد من تلك الخدمة. تطوير الخدمات يأتي لاحقا من أجل كتابة الرمز البرمجي الخاص بها مع الالتزام بالمعايير التقنية الموضوعة, تمهيدا لفحص الخدمات والتي تشتمل على الجوانب الوظيفية بحيث يتم التأكد من أنها تقوم بوظيفتها بطريقة صحيحة, وكذلك الجوانب التقنية بحيث يتم التأكد من خلوها من أي عيوب تقنية قد تؤدي إلى توقفها, وأيضا الجوانب الأمنية عن طريق إجراء تجارب السرية والأمان على تلك الخدمة من أجل التأكد من عدم إمكانية أشخاص غير مؤهلين من العبث بالمعلومات أو الإطلاع على معلومات مواطنين آخرين خلال عمليات التبادل الإلكتروني. وصولا إلى تحديد منافذ الوصول للخدمات من خلال الموقع الالكتروني والهاتف الجوال والهاتف العادي ودليل الخدمات الالكتروني. عندئذ تكون الخدمات الالكترونية جاهزة للتشغيل والانطلاق.

 

معوقات تطبيق الخدمات الإلكترونية

هناك مجموعة عقبات تواجه تطبيق استراتيجية الخدمات الالكترونية, لعل من أبرزها الأمية الالكترونية وضعف البنية التحتية للاتصالات والمعلومات. بالإضافة إلى مشكلات في البنية الأساسية, كمدى توافر الوثائق في شكل رقمي تعوق نشر هذه الخدمات, ومشكلات تتعلق بتغيير وتحسين الجوانب التنظيمية والقانونية لدى الدولة‏,‏ ثم وجود مشكلات متعلقة بالخبرات التقنية.

 

لكن تفعيل الخدمات الإلكترونية ليس مرهونا فقط بالجوانب التقنية كقضايا الأجهزة والمعدات والشبكات والبرمجيات والكوادر المدربة‏,‏ ولكنه يرتبط بالكثير من الجوانب المجتمعية‏,‏ فان كثيرا من الدول تعاني من عقبات غير تقنية كنقص الوعي العام بأهمية الخدمات الالكترونية سواء من داخل الأجهزة الحكومية أو خارجها, وعدم مواكبة المستجدات, والبيروقراطية الحكومية ونقص الاستعداد لدى الشركات وأصحاب الأعمال. لذلك فانه يتطلب من الحكومة التي تسعى للتقدم ومواكبة تطورات العصر أن تبذل جهدا كبيرا في تقوية البنية التحتية للتكنولوجيا والاتصالات في كافة مؤسسات الدولة, وتطوير الجوانب القانونية لتتناسب والواقع الجديد, ثم العمل على زيادة الخبرات التقنية باستمرار. بالمقابل فان على الحكومة أيضا أن تهيئ الواقع المجتمعي لتقبل الخدمات الإلكترونية, عبر سلسلة من البرامج المكثفة الداعمة لمثل هذه الاستراتيجية. وأخيرا وكي نحصل على التميز في تقديم الخدمات الالكترونية فان على الحكومة وضع خطة زمنية محكمة يتم من خلالها توزيع الخدمات الالكترونية على مراحل, ليصار إلى تطبيقها ضمن خطة واضحة, بحيث يتم زيادة هذه الخدمات المطروحة باستمرار. وتقدر بعض الدراسات أن خدمات المواطنين تقدر ما بين 2200 إلى 2500 خدمة, وبذلك تستطيع أي حكومة أن تقيس مدى التقدم الذي صنعته في طرحها للخدمات الالكترونية لمواطنيها.