تقييم المستخدم: 5 / 5

تفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجوم
 

 

د. علي جبران

أستاذ مساعد في الادارة التربوية

كلية التربية\جامعة اليرموك-الأردن

 

رغم أنه لا بد للمسلم أن يستفيد من بعض الأفكار والأراء والنظريات الغربية في شتى العلوم الا أنه يجب أن يقدم للانسانية الفكر الاسلامي المتميز الذي يقود العالم الى الأمان والكمال والتحضر والتقدم كما يقول الفيلسوف المسلم محمد اقبال "المسلم لم يخلق ليندفع في التيار ويساير الركب البشري حيث سار, بل خلق لتوجيه العالم والمجتمع والمدنية". (1)  لذلك كان علينا أن نحاول البحث عن منهج اسلامي في الفكر الاداري عموما والتربوي على وجه الخصوص.

ان الادارة الناجحة المخلصة هي سر نجاح الدول في كل زمان ومكان. وما سادت الحضارات في العالم قديما وحديثا الا بتميزها في ادارتها. من هنا وعلى سبيل المثال فان الادارة المدرسية الناجحة والفعالة هي سر نجاح المؤسسات التعليمية في الدولة وسر ازدهارها, مما يؤدي الى تخريج أفواج من الطلبة يفهمون دينهم وواجباتهم تجاه ربهم والعمل على تحقيق مفهوم خلافة الله في الأرض التي هي مهمة كل انسان. ومن ثم يفهمون مجتمعهم وواجبهم تجاهه والعمل على ازدهاره وتنميته لتحقيق مجتمع مثقف ومتطور يستطيع أن يثبت وجوده بين سائر المجتمعات. ولذلك كان لا بد من الاهتمام بالادارة فكرا وتطبيقا, ولكن وبما أننا نحمل دينا سماويا عظيما فلا بد أن نستنبط مفاهيم وأصول الادارة من المصدرين الأساسيين لهذا الدين: القرآن الكريم والسنة النبوية, كي يكون فهما مستقلا بذاته مستمدا من جذور دين الله عز وجل مما يعطيه صبغة اسلامية خاصة تميزه عن غيره من المناهج الأرضية. وذلك لا يعني عدم الاستفادة من مختلف المناهج والنظريات سواء في علم الادارة أو غيره من العلوم, فالحكمة ضالة المؤمن أنا وجدها فهو أحق بها.

 

ان الادارة - حسب المفهوم الاسلامي لها -  تنظر للسلطة على أنها رعاية للمجتمع بشكل عام ولمجتمع المؤسسة بشكل خاص والذي هو موضوع السلطة. لذلك فان الادارة بهذا المفهوم هي وسيلة ورسالة, وأمانة وخدمة, وليست مطلبا ذاتيا يسعى من خلاله المدير الى تأكيد وجوده السلطوي بما له من قوة وقدرة على التوجيه والتحريك. لذلك فان من أهم واجبات الادارة هي توجيه الموارد البشرية في المؤسسة نحو خدمة بعضها البعض, وعلى الادارة تقديم الخدمة لباقي الأفراد. وقد كان ذلك بناء على الآية القرآنية الكريمة التي تشير الى أن الله قد جعل الناس في درجات ومراتب مختلفة كي يتمكن كل فرد في المجتمع من الاستفادة مما عند الأخرين. يقول الله تعالى في هذا الصدد: " أهم يقسمون رحمة ربك, نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا, ورحمة ربك خير مما يجمعون". (2)

 

وبما أنه على جميع الأفراد خدمة مجتمعاتهم, فان هذا سيساعد في بيان الفهم الحقيقي لشتى المؤسسات في المجتمع سواء التربوية منها أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو غيرها. فالاسلام ينظر الى هذه المؤسسات على أن الهدف منها هو خدمة المجتمع والقيام بمصالحه, وبذلك ينتفي الصراع على هذه المؤسسات لأن أساسها القدرة والكفاءة والصلاحية والهمة في خدمة أفراد المجتمع.

 

ان الاداري المسلم ينظر الى نفسه على أنه راع لمجتمع المؤسسة التي يرأسها بمختلف أفرادها من اداريين وموظفين بكل مستوياتهم وهو مؤتمن على هذه الرعية حتى يؤدي واجبه ومهمته في خدمتهم ورعاية شؤونهم والسير بهم نحو تحقيق الهدف المنشود الذي يسعى لتحقيقه جميعهم بنفسية مستريحة وهمة عالية وعزيمة قوية وولاء للمؤسسة واضح وبين. وان واحدة من أهم السياسات المتبعة لرعاية مجتمع المؤسسة أن ينتهج المدير سياسة الباب المفتوح التي تسمح لأي فرد بمقابلته وبث همومه وشكواه أو نصحه وارشاده. وهذه السياسة هي نفسها سياسة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذي فتح بابه لكل فرد من أفراد رعيته. وقد بلغ عمر بن الخطاب يوما أن واليه على مصر قد أغلق بابه في وجه رعيته, فما كان منه الا أن أرسل رجلين اليه ليحرقا بابه ويأتيا به اليه ليعاقبه. (3)

 

ان ادارة المؤسسة تؤمن بأن الجهود المبذولة في العملية الادارية ينبغي أن تكون متمركزة حول جميع موظفي المؤسسة بمختلف مراتبهم أولا وحول المنهج والأنظمة المتعددة ثانيا وحول المجتمع المحلي المحيط بالمؤسسة ثالثا. أما موظفي المؤسسة, فعلى الادارة مراعاة حقوقهم كاملة مع تلبية حاجاتهم المادية والاجتماعية والنفسية وغيرها من الأمور المساعدة على تهيئة جو ايجابي وصحي مناسب للمؤسسات التي تنشد النجاح والتميز. كذلك فعلى الادارة مراعاة الفطرة السليمة في قلوب أعضاء المؤسسة بل وتغذية هذه الفطرة بالقيم الاسلامية والأخلاق الحميدة والسلوك الاسلامي المتميز في مختلف جوانب الحياة. هذا بالاضافة الى أن الادارة تنظر الى الموظفين كأعضاء فاعلين في اتخاذ القرارات التي تؤثر فيهم لا أن يكونوا أداة لتنفيذ هذه القرارات فحسب. وبالتالي فان جوا من الطمأنينة والحب والاخاء والثقة والتعاون سيسود مجتمع المؤسسة مما يساعد على تحقيق الأهداف المرجوة للمؤسسة.

 

أما المنهج والأنظمة المتعددة فعلى الادارة أن تشرف بعناية فائقة على صياغة منهج وأنظمة للمؤسسة تضمن العدالة والمساواة للأعضاء وللمصلحة العامة من جهة وتواكب التقدم والتطور من جهة أخرى. فعلى سبيل المثال على الادارة المدرسية أن تعنى بالمناهج التي تستهدف صياغة الشخصية الاسلامية المتكاملة القادرة على استيعاب أحدث منجزات العصر العلمية والتكنولوجية, والقادرة على تكوين أسر صالحة وممارسة العضوية الرشيدة في المجتمع والقادرة على العمل والعطاء المثمر.

 

وأما المجتمع المحلي فان الادارة تعتبر نفسها جزءا لا ينفصل عنه, لذلك لا بد من سياسة الربط بين المؤسسة والمجتمع المحلي بشتى الوسائل سواء كان ذلك بالاشتراك ببعض أنشطة المجتمع أو باشراكه بأنشطة المؤسسة أو عقد جلسات حوار ونقاش وذلك لأخذ اقترحات المجتمع المحيط البناءة فيما يساعد على الارتقاء بمستوى المؤسسة وأدائها.

 

 

__________________________________________

 

(1)     عبد العظيم, محمد, نحو منهج اسلامي في الفكر الاداري, القاهرة: المؤسسة العربية الحديثة,  1988, صفحة 10

(2)     سورة الزخرف, آية 32

(3)     ابن الجوزي, جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن, مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب, بيروت: دار الكتب العلمية, 1987, صفحة