مؤتمر "الدور الثقافي في الجامعات الأردنية"

جامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا
2- 3\5\2007م

 

ورقة عمل بعنوان:

"إنماء ثقافة الحوار بين طلبة الجامعات" 

د. علي محمد جبران صالح

قسم الدراسات الإسلامية

كلية الشريعة والدراسات الإسلامية

جامعة اليرموك

اربد- الأردن

 

مقدمة:

عندما يكون المجتمع أي مجتمع مليئاً بالمتغيرات والمتناقضات والاختلافات فإنه يتجه إلى أحد مسارين, إما النزاع والعبث وإما الحوار والتفاهم. فالمسلك الأول يكون ناتجا عن عقلية فردية ذاتية لا تدرك بأن من طبائع الأمور الرئيسة أنها مختلفة. فالمجتمع لا يمكن أن يسير برأي واحد ولا يمكن أن يخرج أجيالا تكرر بعضها. لذا فأي مجتمع هو عبارة عن مجموعة من الاتجاهات والأفكار والتفسيرات والرؤى المختلفة. أما المسلك الثاني, مسلك الحوار فهو نتاج عقلية جماعية تؤمن بالآخر وجودا ورأيا وقرارا وتأثيرا. عقلية لا ترضى إلغاء الآخر ولا تسعى للسيطرة عليه فكرا وسلوكا. عقلية لا تحتكر العلم والمعرفة دون الآخر بل وتسعى لمشاركة الآخر عن طريق تقديره واحترام رأيه ومحاولة فهمه من أجل دوام الصلة معه. إن في ذلك منهجا للتواصل والتفاهم على القضايا المشتركة بينهما مما يؤدي إلى تقدم المجتمع وازدهاره نحو الأفضل, وذلك لأن الحوار ممارسة إنسانية عريقة، من خلاله انتقلت العلوم والمعارف بين الحضارات وتلاقحت الآراء والأفكار  .

 

إن للحوار دورا فاعلا في ترويض النزاعات وسوء الفهم بين الناس وتليين صلابة موقفهم ليبنوا عقولهم على التسليم بنسبية الآراء وعدم إطلاق المعرفة وقابلية الرأى للمراجعة والتعهد بنبذ الأحكام المسبقة نحو الآخر. وان الحوار المتبادل بين شخصين أو فئتين لهو مظهر من مظاهر  التقدم والتحضر؛ حيث إن من يصل إلى هذا المستوى هم الذين يلجئون دائمًا إلى الحوار المتبادل؛ سواء كان ذلك لإيصال فكرة معينة للآخر أو فهمه أو للدفاع عن حجته أو سلوكه. وبذلك فان لغة الحوار الهادئ البناء هي ما تميز المجتمعات الناضجة. وهذا الفن لا بد أن يتعلمه الإنسان من الصغر حتى يكون أساس تعامله مع كل من حوله فينشأ وهو يعتاد النقاش البناء الهادف وتبادل الآراء دون تشنج أو احتكار للرأي, فيتعلم الشخص أنه سيكون هناك من يتفق معه ومن يختلف, فهذه سنة الحياة والاختلاف في الآراء لا يدعو بالضرورة إلى النزاع.

 

أهداف الدراسة:

تهدف هذه الدراسة إلى تحقيق ما يلي:

  1. بيان حقيقة الجامعة ودورها الريادي في المجتمع كحاضنة رئيسية
  2. بيان حقيقة الحوار وأهميته وأهدافه وعناصره الرئيسية
  3. بيان مقومات ثقافة الحوار من المنظور الإسلامي
  4. بيان بعض النماذج الرئيسية للجوار القرآني والنبوي
  5. توضيح دور ثقافة الحوار في حل المشكلات الجامعية
  6. توضيح أهمية دور الجامعات في تعزيز وانماء ونشر ثقافة الحوار بين الطلبة

 

أهمية الدراسة:

تكتسب هذه الدراسة أهميتها من كونها تناقش قضية أساسية في هذا الدين العظيم وذلك بأن نشر الدين وإيصال رسالته إلى العالم لا يمكن أن يتحقق بدون إتقان مهارة الحوار مع الآخر. إذن فان مهارة الحوار هي واحدة من الوسائل الأساسية للتواصل مع الآخرين وكسب قلوبهم. بالمقابل فان كثيرا من الدراسات أثبتت أن الحوار يعد أسلوبا فعالا في حل سوء الفهم بين الناس أو لحل المشكلات فيما بينهم. وجدير بالذكر هنا أن بعض هذه الدراسات قد أجريت على واقع الجامعات وتبين أن نشر ثقافة الحوار بين الطلبة يعد من أنجع الأساليب التي تقي الطلبة من الوقوع في مختلف المشكلات.

 

تعريف الجامعة:

كلمة الجامعة University  مأخوذة من كلمة Universitas  وتعني الاتحاد الذي يضم ويجمع القوى ذات النفوذ في مجال السياسة من أجل ممارسة السلطة. واستخدمت كلمة الجامعة لتدل على التجمع العلمي لكل من الأساتذة والطلاب. والكلمة العربية (جامعة) ترجمة دقيقة للكلمة الإنجليزية المرادفة لها لأنها من مدلولها العربي تعني التجمع والتجميع. فهي: "مؤسسة للتعليم العالي يلتحق بها من أتم دراسة المرحلة الثانوية وتقدم برامج تعليمية وتدريبية في شتى التخصصات النظرية والعملية لمدة غالبا ما تكون أربع سنوات" (راشد, 1988, ص 13).

 

أهمية الجامعة:

تتبوأ الجامعة منذ القديم مكان الصدارة في المجتمع فهي مركز إشعاع لكل جديد من الفكر والمعرفة والمنبر الذي تنطلق منه آراء المفكرين والأحرار والفلاسفة ورواد الإصلاح والتطور. والجامعة مؤسسة اجتماعية تؤثر في الجو الاجتماعي وتتأثر به فهي مصنع قياداته الفنية والمهنية والسياسية والفكرية, وتسهم بحل المشكلات ومواجهة تحديات العصر ومتطلباته وخطط التنمية الشاملة وهي تساعد الدول النامية على اللحاق بركب الحضارة الحديثة, وهي قائد التطور والتقدم وتأصيل القيم والمبادئ (راشد, 1988, ص 16).

 

الأستاذ الجامعي:

يلعب أستاذ الجامعة المسلم أدوارًا عدة؛ "فهو مربٍّ ومُعلِم عليه التزامات أخلاقية, وباحث يوجه دراساته لخدمة دينه والإنسانية جمعاء، وموجه لتلاميذه بالكلمة والمعلومة، وهو قدوة يحتذي بها خريجو الجامعة ممن تتلمذوا على يديه" (السيوفي, 2006). إن على الأستاذ الجامعي أن يتعرف على جوهر طلبته كي يكون قادرا على تنميتهم من كافة الجوانب الأكاديمية والروحية والعقلية والمعرفية والمهارية والنفسية والاجتماعية, فالتربية عملية تفاعل بين الأستاذ وطلابه. فالجامعة ليست مصدرا علميا فقط وإنما هي حياة بأكملها بكل العوامل والمتغيرات التي تؤثر في هذه الحياة.

 

طالب الجامعة:

الطالب الجامعي هو إنسان يمر بمرحلة معينة, ويتراوح العمر الزمني للطالب الجامعي ما بين 18 -22 سنة بمتوسط يبلغ حوالي العشرين عاما فهو على وشك انهاء مرحلة المراهقة ان لم يكن تجاوزها فعلا الى مرحلة النضج والتي تسمى مرحلة الشباب. وحاجة الطالب الجامعي إلى استخدام ما لديه من طاقة عقلية لا تنحصر فقط في العلوم التي يقوم بدراستها بل يتخطاها الى استخدام هذه القدرات في حياته العملية. والطالب الجامعي لديه الرغبة في التوصل الى أسلوب في الحياة يرضيه. والذي لا يعي ولا يدرك أهدافه الحياتية يعيش حياة تعسة وتنعكس هذه التعاسة في صور مختلفة اما في انتفاضة غضب وثورة على ما هو موجود أو استسلام حزين لما هو موجود, والثورة أو الاستسلام يعتبران من مظاهر تعاسة الإنسان.

 

ولذا يجب أن نوجد الدوافع المحركة للسلوك لديه وأهم الدوافع ما يسمى بالدافع نحو تقدير الذات بإشعاره بقيمته ومكانته وتعطيه قدرا كبيرا من الثقة بالنفس وصحة نفسيته تتمثل بتوافق داخليته من دوافع ونوازع مع خارجيته بعلاقته مع بيئته والموضوعات والأشخاص وأن يشعر بالرضا عما يقوم به من عمل أو دراسة, وتربيته على التفاؤل والإقبال على الحياة ليكون مشاركا فاعلا في مجتمعه (راشد, 1988, ص 53- 60).

 

تعريف الحوار

الحوار لغة:

جاء بمعاجم اللغة أن الحوار لغة أصله من الحور وهو "الرجوع عن الشيء إلى الشيء" (ابن منظور, د ت, ص 217- 218). وأحار عليه جوابه أي رده, والمحاورة المجاوبة والتحاور التجاوب والمتحاور المتجاوب (نفس المرجع). وذكر صاحب الوسيط أن كلمة الحوار لغة مشتقة من تحاور وتحاوروا أي تراجعوا بالكلام فيما بينهم. وبذلك تكون المحاورة بمعنى مراجعة الكلام من قولهم: حار إذا رجع. ويرى الأصفهاني أن الحوار هو "المرادة في الكلام ومنها التحاور" (الأصفهاني, د ت). والحوار حديث يجري بين شخصين أو أكثر بهدف الوصول إلى الحقيقة (الزيات, د ت, ص 204).

 

الحوار اصطلاحاً:

يمكن أن يكون الحوار "أسلوبا يعمل على نقل المعلومة لا بطريق الخبر, وإنما من خلال السؤال والجواب" (زيادة, د ت, ص 135). أو هو " رأيان يلتقيان أو يفترقان من حول الشيء ونقيضه مما يعطي الإطار العام الذي ننقل به المعلومة حيوية تفصل السرد الذي يشعر بالسآمة والملل فتستفز المحاورة عناية السامع والقارئ على السواء لمتابعة ما يطرح من موضوعات المحاورة" (زيادة, د ت, ص 19). ويمكن أن يكون "أسلوبا علميا تعليميا, تستخدم فيه الأسئلة والأجوبة لإثارة الأذهان وتحريك الوجدان بقصد إزالة فكرة خاطئة من النفوس, أو تعليم أمر جديد أو حسم موضوع يدور حوله الخلاف وذلك بتبادل الآراء والأفكار فيما بينهم بهدف الوصول إلى الحقيقة" (ربايعة, 1999, ص 10).

ففي قوله تعالى : "وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفرا" (الكهف: 34), "قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً" (الكهف: 37), يفهم من الآيات أن الحوار هو مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين. وبالتالي يفهم من ذلك أن الحوار هو محادثة بين شخصين أو فريقين , حول موضوع محدد , لكل منهما وجهة نظر خاصة به هدفها الوصول إلى الحقيقة , أو إلى أكبر قدر ممكن من تطابق وجهات النظر بعيداً عن الخصومة أو التعصب بطريقة تعتمد على العلم والعقل , مع استعداد كلا الطرفين لقبول الحقيقة, ولو ظهرت على يد الطرف الآخر.

 

والحوار يختلف عن الجدال وذلك لأن الجدال مفاوضة كلامية بين طرفين بقصد الخروج بنتائج معينة. وتمتاز هذه المفاوضة بالمنازعة والمغالبة لإلزام الخصم (الميداني, 1981, ص 119). وعرف ابن سينا الجدال بأنه "مخالفة تبغي إلزام الخصم بطريق مقبول محمود بين الجمهور" (ابن سينا, 1983, ص 23). وأما عند الجرجاني فان الجدل هو "دفع المرء خصمه عن إفساد قوله بحجة أو شبهة" (الجرجاني, 1987, ص 106). أو يقصد به تصحيح كلامه. وهو كذلك الخصومة في الحقيقة (نفس المرجع).

 

ويتبين من ذلك أن الحوار مختلف عن الجدال كون الحوار يعالج مختلف القضايا بهدوء كما ورد ذلك في ثلاثين موضعا في القرآن الكريم يغلب عليها الهدوء وعدم الخصومة مع تبادل الأفكار بكل يسر وسهولة بين الطرفين (حنفي, 1985, ص 150). ويؤكد على ذلك قول الله تعالى: "فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى" (طه: 44).

أهمية الحوار:

إن الاختلاف بين البشر مسلمة ينطلق منها الإنسان عند التعامل مع الآخر. يقول تعالى: "ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة" (المائدة: 48). ويقول أيضا "وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا" (يونس: 19). وبذلك فالتباين والاختلاف والتعدد سنة إلهية ومن مظاهر الكون المختلفة. لكن الاختلاف ليس بالضرورة أن يكون نزاعا أو صراعا وإنما هو لتبادل المنافع والخيرات والرأي والفكر. يقول تعالى: "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم". وبذلك فان "الحوار يكتسب أهميته البالغة من كون الوجود الاجتماعي الإنساني لا يتحقق إلا بوجود الآخر المختلف, ومن أن الإنسان لا يحقق ذاته الإنسانية ولا ينتج المعرفة إلا بالالتقاء والحوار مع الإنسان الآخر والتفاعل الخلاق معه, اذ به تتولد الأفكار الجديدة في ذهن المتكلم, وبه تتضح المعاني" (زرمان, 2003, ص 129). ثم إن أهمية الحوار ضرورة من وجهتين: الأولى أن الحوار يتيح لنا أن نعرف الآخر بما نملك من فكر واتجاهات. والثانية أن الحوار ينبهنا في كثير من الأحيان إلي جوانب ربما لم نتنبه لها (علي, 2004).

أهداف الحوار:

إن للحوار أهدافا مختلفة. فهو إما أن يكون وسيلة لتنفيس أزمة ولمنع انفجارها، وإما أن يكون سعياً لاستباق وقوع الأزمة ولمنع تكوّن أسبابها، وإما أن يكون محاولة لحل أزمة قائمة ولاحتواء مضاعفاتها. في هذه الحالات الثلاث تكون مهمة الحوار هي العمل على: 

1-  إبراز الجوامع المشتركة بين الطرفين في مختلف المجالات

2-  تعميق المصالح المشتركة بين الطرفين في مختلف المجالات

3-  التأكيد على صدقية قيم الاعتدال وتوسيع قاعدتها التربوية

4-  إغناء الثقافة الحوارية التي تقوم على عدم رفض الآخر، والانفتاح على وجهة نظره واحترامها، وعدم التمترس وراء اجتهادات فكرية فردية من خلال التعامل معها - أي مع هذه الاجتهادات - وكأنها مقدسات ثابتة غير قابلة لإعادة النظر. (السماك, 2002).

مواصفات الحوار الإيجابي :

الحوار الايجابي في أصله هو حوار متفائل أي أن له أمل للوصول إلى القضايا المشتركة بين الطرفين أو الوصول إلى حلول مرضية. ثم انه حوار صادق عميق وواضح الكلمات كي يضمن ذلك قدرة كل طرف لإيصال أفكاره إلى الطرف الآخر. انه حوار متكافئ يعطي لكلا الطرفين فرصة التعبير عن الرأي والأفكار ويضمن الاحترام المتبادل للرأي والرأي الآخر ويعرف تماما مسلمة الخلاف في الرأي بين البشر. وهو كذلك حوار واقعي يتصل إيجابيا بالحياة اليومية الواقعية وبالتالي فهو غير بعيد عن الحياة المعاشة بل ويناقش القضايا المعاصرة والمستجدة التي يحتاجها الأفراد في حياتهم. وهو أيضا حوار تسوده المحبة والشعور بالمسئولية. ثم انه حوار يوافق الطرفان فيه أن الهدف النهائي له هو إثبات الحقيقة كما هي لا بناء على رغبة طرف مما.

 

ما قبل الحوار:

يتطلب من الشخص المحاور أولا أن تكون لديه الرغبة في إجراء الحوار لا أن يفرض عليه الأمر. وهذا يتطلب قناعة في نفسه لأهمية موضوع الحوار وجدواه. ولا بد أن يستحضر الإخلاص في حواره هذا كي يبتغي وجه الله فيه. وينبغي على المحاور الجيد أن يعد للموضوع بشكل دقيق كي يكون قديرا في طرح فكرته ومناقشة الطرف الآخر بالدليل والبرهان. ويفضل قبل البدء بالحوار التعارف أولاُ كي يتم التعامل بينهما وفق معرفة مسبقة لكل منهما للآخر.

 

إن المحاور الجيد يستطيع أن يتقن فن الإنصات والاستماع للآخر. ان في ذلك تقديرا لشخصه واحتراما لآرائه وفكره. قبل أن تبدأ الحديث استحضر أهدافك وحدد صيغة رسالتك وحدد الاستجابة التي تود أن تؤثر في المستمع بشأنها قبل الشروع بالكلام. ثم انه عليك أن تبدأ من نقطة التقاء بينكما كي يكون الحوار وديا وإيجابيا ومثمرا.

 

أثناء الحوار:

على المحاور أن يلتزم بالعقلانية والمنطقية في حديثه أثناء حواره مع الآخرين. وعليه كذلك أن يقدم الأدلة والبراهين التي تدعم فكره ورأيه كي يكون حواره منهجيا وعلميا لأجل إقناع الآخر مع ضرورة ترك الحجج الواهية والتي لا تزيد الحوار إلا تعقيدا. الالتزام بالصدق والأمانة لا بد أن يكون منهجا لطرفي الحوار ما دامت الغاية منه الوصول إلى الحق. ثم انه لا بد للمتحاورين الالتزام بما يتم الحديث حوله كي يتم التوفيق بين القول والفعل. بالإضافة إلى ذلك لابد من الرفق واللين من الجانبين أثناء الحوار.

 

مقومات ثقافة الحوار من المنظور الإسلامي:

إن الحوار يمكن أن يكون مع الآخر وبالتحديد مع الآخر المخالف بعد أن يترسخ الحوار مع النفس. فان الحوار الذاتي والنقد الذاتي والمحاسبة الذاتية هي التي تبني المنهجية الحوارية عند الإنسان والتي تقبل الآخر ورأيه وتسعى لشرح وجهة النظر وتوضيح الأدلة والبراهين التي تقوم عليها تلك الوجهة. ثم إن الحوار يتطلب الانفتاح على الطرف الآخر لفهم وجهة نظره من أجل الوصول إلى درجة التفاهم معه. ولذلك فان الحوار هو الطريق إلى استيعاب وجهات النظر تلك والأدلة والبراهين الداعمة لمواقف الطرفين المتحاورين من أجل تفاهمها.

 

إن من مقومات ثقافة الحوار الإيجابي الاعتراف بوجود الآخر والإيمان بحق الآخر في الاختلاف. بل إن من مقومات الحوار "احترام الآخر والاعتراف بحقه في حرية التعبير عن آرائه ومعتقداته" (البلوي, 2003, ص 440). فالحوار لا يسعى إلى ترسيخ القناعات الذاتية أو محاولة إقناع الطرف الآخر بها. بل انه ينبغي أن يكون محاولة لإيجاد الفسحة المشتركة بين الطرفين ثم البناء عليها من أجل ترسيخ معاني التفاهم. ثم إن من مقومات ثقافة الحوار أن يكون الهدف الأسمى له إحقاق الحق والوصول إلى الحقيقة بغض النظر عن من طرحها أولا. لذلك فلا بد "أن يتخلص الطرف المحاور من كل مفردات التخوين والنفي والإقصاء والتعالي وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة" (زرمان, 2003, ص 134).

 

إن ثقافة الحوار تتطلب من المتحاورين أن يكونوا على قناعة تامة بأن الحوار هو الأسلوب الحضاري الراقي لمعالجة مختلف القضايا والمشكلات. بل انه المنهج الوحيد الناجح لحل الإشكاليات, ذلك أنه ينطلق من عدم احتكار الحق أو الحقيقة وأن الوصول إلى الصواب يتم عن طريق التفاعل مع أبناء مجتمعه وتلاقح أفكاره مع أفكار الآخرين.

 

إن الثقافة الحوارية ينبغي أن تنطلق من النقاط المشتركة بين طرفي الحوار كي يسير الحوار بايجابية دون شعور طرف بالانتصار على الطرف الآخر عن طريق تركيزه على ما يتفرد به من أفكار خاصة. لذلك فان نجاح الحوار يتطلب إبراز الأمور المتفق عليها ابتداء ثم تناول القضايا المختلف عليها تباعا الأبسط فالأكثر تعقيدا. وبالإضافة إلى ذلك فلا بد من منهج الموضوعية عند طرح مختلف القضايا كمقوم من مقومات الحوار الإيجابي الفعال. والموضوعية هي "محاولة تبني الاتجاه المحايد وعدم الانحياز لأفكار أو اتجاهات معينة مع من يتم التحاور معه, وبالتالي لا يتم تغليب دوافع الذات وعواطفها ومصالحها" (عبد الجواد, 2005, ص 38). 

 

إن من المبادئ الراقية في الثقافة الإسلامية الرصينة أن من اجتهد وأصاب الحق فله أجران. أجر الاجتهاد وأجر الإصابة للحق. ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد لاجتهاده ولم يؤثم على الخطأ. يفهم من ذلك أن الاجتهاد كأي عمل فكري إنساني مفتوح على الخطأ والصواب. فهو ليس مقدساً ولا مطلقاً ولا ثابتاً، بل هو إنساني، محدود، ومتغير. ثم انه مما يتناقل في الثقافة الإسلامية عن الأئمة الأعلام أن "رأيي صحيح يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب". يفهم من ذلك ايضاً انه ليس لأحد ان يدعي الحقيقة المطلقة. وليس له أن يخطئ الآخرين لمجرد اقتناعهم برأي مخالف. فالحقيقة نسبية. والبحث عن الحقيقة، حتى من وجهة نظر الآخر المختلف، طريق مباشر من طرق المعرفة. وهو في الوقت نفسه أسمى أنواع الحوار. وفي الثقافة الإسلامية كذلك، آن الحوار يتطلب أولا الاعتراف بوجود الآخر المختلف، واحترام حقه ليس في تبني رأي او موقف او اجتهاد مختلف فحسب، بل احترام حقه في الدفاع عن هذا الرأي او الموقف او الاجتهاد، ثم واجبه في تحمل مسؤولية ما هو مقتنع به (السماك, 2002). 

 

الاختلاف في الإسلام حقيقة إنسانية طبيعية. يقول تعالى في هذا الشأن: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا" (الحجرات: 13). وقد خلق الله الناس مختلفين اثنياً واجتماعياً وثقافياً ولغوياً، ولكنهم في الأساس "أمة واحدة" كما يقول تعالى: "وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا" (يونس: 19)، أي أن اختلافاتهم على تعددها لا تلغي الوحدة الإنسانية. بل إن هذه الوحدة تقوم على الاختلاف، وليس على التماثل او التطابق. ذلك أن الاختلاف آية من آيات عظمة الله، ومظهر من مظاهر روعة إبداعه في الخلق. يقول الله تعالى: "ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين" (الروم: 22). والقاعدة الإسلامية كما حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي أن "لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى". وبالتالي فإن الاختلاف العرقي لا يشكل قاعدة لأفضلية ولا لدونية. فهو اختلاف في إطار الأمة الإنسانية الواحدة، يحتم احترام الآخر كما هو على الصورة التي خلقه الله عليها.

 

إذا كان احترام الآخر كما هو لوناً ولساناً يشكل قاعدة من قواعد السلوك الديني في الإسلام، فان احترامه كما هو عقيدة وإيمانا هو احترام لمبدأ حرية الاختيار والتزام بقاعدة عدم الإكراه في الدين. فالقرآن الكريم يقول: "لكل وجهة هو موليها" (البقرة: 148). وفي إشارة واضحة إلى تعدد التوجهات يقول أيضا: "وما بعضهم بتابع قبلة بعض" (البقرة: 145). ذلك انه مع اختلاف الألسن والألوان، كان من طبيعة رحمة الله اختلاف الشرائع والمناهج، وهو ما أكده القرآن الكريم بقوله: "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا. ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، ولكن ليبلوكم فيما أتاكم. فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون" (المائدة: 48). و"لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين. إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم" (هود: 118). وبذلك فقد أرسى القرآن الكريم قواعد واضحة للاعتراف بالآخر وبوجهة نظره إجلاء للحقيقة، بما في ذلك، بل في مقدمة ذلك، الحقيقة الإلهية. 

 

 

نماذج حوارية من القرآن والسنة:

عند الرجوع الى الجذور الثقافية في الدين سنجدها غنية بقدر لا يستهان به من ثقافة الحوار، فعلى سبيل المثال في الفقه الإسلامي نجد المذاهب المتعددة حيث كان الحنفية يقولون الرأي عندنا كذا وعند السادة الشافعية بخلافه، والشافعية يقولون الرأي عندنا كذا وعند السادة المالكية بخلافه، وكان ابن مالك يقول: الرأي عندنا كذا وعند السادة الحنابلة بخلافه.أعتقد أننا غيبنا ثقافة الحوار عندما ادعى كل منا احتكار الحقيقة. فلا بد أن نشعر تماماً بأن الآخر يجب أن يحترم بكل التفاصيل الثقافية والإيديولوجية سواء كان الآخر مسلماً أو غير مسلم. ولا بد أن نسمح بالاختلاف في إطار من التسامح والاحترام وقبول الآخر, فلا يمكن بحال من الأحوال أن يتم احتكار الحقيقة. وهناك عشرات الأدلة من القرآن الكريم والسنة المشرفة بأن القرآن كان يحترم الآخر، فوردت ثلاث مرات الآية بتشابه كبير (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين والمجوس والذين أشركوا، إن الله يفصل بينهم يوم القيامة) فلا يوجد أوسع من هذا الاعتبار لقبول الكل. (حبش, 2006).

 

في القرآن الكريم:

ومن ينظر إلى تاريخ أمتنا بالدراسة والتحليل فإنه سيجد أن لغة الحوار هي ما قامت عليه منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. فالقرآن يدعو إلى الحوار مع الآخر غير المسلم بالتي هي أحسن. يقول الله تعالى: "و لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم..". وفي التوجيه القرآني كذلك ما يؤكد هذه القاعدة إذ يقول الله تعالى: "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون". بل إن القرآن الكريم يؤكد على منهج الحوار حتى في القضايا العقدية, فيقول الله تعالى على لسان يوسف عليه السلام: "يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار" (يوسف: 39).

 

ثم إن القرآن الكريم يوضح أهم قواعد الحوار بين الناس حيث يخاطب النبي بقوله: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين" (النحل: 125). إذن فالدعوة إلى الله عز جل هي شكل من أشكال الحوار مع الآخر ولا يقوم الدين في الأرض إلا بممارسته.

 

وفي حوار الله مع الأنبياء تبرز حقيقة الإعجاز الإلهي: "وإذ قال إبراهيم ربِ أرني كيف تحيِ الموتى؟ قال أولم تؤمن؟ قال بلىَ ولكن ليطمئن قلبي. قال فخذ أربعة من الطير فصُرهُنّ إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً ثم أدعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم" (البقرة: 260). وفي حوار الله مع عباده، تبرز حقيقة العدل الإلهي، حيث ورد في الآية الكريمة: "قال ربِ لمَ حشرتني أعمى وقد كُنتُ بصيراً. قال كذلك أتتكَ آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى" (طه: 125). 

ثم يأتي التوجيه الرباني الى النبي صلى الله عليه وسلم لمحاورة أهل قريش وهم على ملته فيقول تعالى: "قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون. فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون" (يونس: 31- 32). انه "حوار يقوم على سؤالهم عما يعترفون به من فضل الله ورزقه ليصحح لهم عن طريق هذا الحوار الذي يوقظ وعيهم الفطري, ذلك الخلط الذي كانوا واقعين فيه" (النحلاوي, 2000, ص 18).

 

وفي حوار الأنبياء مع الناس، تبرز حقيقة التربية الإلهية، في الآية الأولى من سورة المجادلة: "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير". كما تبرز حقيقة الهداية الإلهية: "ألم ترَ إلى الذي حاجّ إبراهيم في ربه إن أتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيِ ويميت. قال أنا أحيِ وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فآت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين" (البقرة: 258). وفي حوار الناس مع الناس، تبرز حقيقة الجشع الإنساني: "فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفرا" (الكهف: 34). تبين هذه الآيات الكريمة أن الحوار يتطلب وجود تباينات واختلافات في الموقع وفي الفكر وفي الاجتهاد وفي الرؤى. وفي ذلك انعكاس طبيعي للتنوع الذي يعتبر في حدّ ذاته آية من آيات القدرة الإلهية على الخلق ومظهراً من مظاهر عظمته وتجلياته (السماك, 2002).

 

في السنة النبوية:

لقد كان صلى الله عليه وسلم نموذجاً رائعاً في الحوار والاستماع للآخر. فكان إذا حدثه أحد يتجه بكليته نحو المتحدث, رجلاُ كان أو امرأة، صبياُ أو خادماً, وكان يحرص على الاستماع الجيد حتى لأعدائه. روي أن عتبة بن ربيعه جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا ابن أخي: إنك منا حيث قد علمت من البسطة في العشيرة, والمكان والنسب وإنك قد أتيت قومك بأمرٍ عظيم، فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم, وعبت به من  مضى من آبائهم, فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل يا أبا الوليد أسمع ؟ فقال له عتبة ما قال, حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع إليه, فقال: "أوقد فرغت يا أبا الوليد؟" قال: نعم. قال: فاسمع منى. قال: أفعل. فقال: "بسم الله الرحمن الرحيم. حمّ. تنـزيل من الرحمن الرحيم.  كتاب فصلت آيته قرءاناً عربياُ لقوم يعلمون. بشيراُ ونذيراُ فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون. وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه...". ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه فلما سمعها منه عتبة أنصت لها, والقى يديه خلف ظهره معتمداً عليها يسمع منه, ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد ثم قال : "قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت, فأنت وذاك "فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: يحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به, فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني سمعت قولاً والله ما سمعت بمثله قط. قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه, قال هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم".


انه حوار متميز مع الآخر حتى لو كان ذاك الآخر كافرا. لقد جلس صلى الله عليه وسلم يستمع إلى العروض الرخيصة من عتبة بن ربيعه ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاطعه بالرغم من كلامه الباطل والذي يمس الدين والعقيدة. وفي هذا الموقف درس في فن الإنصات إلى آخر الحديث وإن لم تكن مقتنعا به. ثم يلاحظ كيف كنى الرسول صلى الله عليه وسلم عتبة بن ربيعة وخاطبه "بأبي الوليد" ولم يقل له أفرغت يا كافر.

وفي حوار آخر دار بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين فتى شاب "أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا (مه، مه) فقال: ادن، فدنا منه قريبا. قال: فجلس. قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: والناس لا يحبونه لأخواتهم. قال: أتحبه لعمتك؟ قال: لا والله ، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أتحبه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه وقال: "اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وأحصن فرجه". فلم يكن الفتى بعد ذلك يلتفت إلى شيء" رواه أحمد. ويلاحظ هنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخدم أسلوب اللوم ولم يعاقب أو يؤنب رغم أن القضية تمس منظومة القيم والأخلاق في المجتمع, وإنما استخدم أسلوب الحوار والمناقشة وطرح الأسئلة ليفسح مجالا للآخر للتفكير في أمره.

وفي حوار إيجابي آخر من حياة النبي عليه الصلاة والسلام حدث في غزوة بدر حين تجمع المسلمون للقاء الكفار وكانت آبار المياه أمامهم وهنا نهض الحباب بن المنذر رضى الله عنه وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهو منزل أنزلكه الله أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ فأجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو الرأي والحرب والمكيدة. فقال الحباب : يا رسول الله ما هذا بمنزل وأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوقوف بحيث تكون آبار المياه خلف المسلمين فلا يستطيع المشركون الوصول إليها، وفعلاً أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الرأي الصائب وكان ذلك أحد عوامل النصر في تلك المعركة .

وبتحليل هذا الموقف نجد أن هذا الحوار يأتي تحت باب حوار الأتباع وحوار المصلحة العامة. ثم إن الحباب بن المنذر كان إيجابيا بالرغم من أنه أحد عامة المسلمين, وكان يمكنه أن يسكت أو يعطل تفكيره فهو جندي تحت لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يتلقى الوحي من السماء وهناك كبار الصحابة أصحاب الرأي والمشورة ولكن كل هذه الأسباب لم تمنعه من إعمال فكرة ولم تمنعه من الجهر برأيه الصائب ولكنه مع ذلك التزم الأدب الرفيع في الجهر بهذا الرأي فتساءل أولا إن كان هذا الموقف وحي من عند الله أم أنه اجتهاد بشرى فلما عرف انه اجتهاد بشرى وجد ذلك مجالا لطرح رؤيته الصائبة ولم يجد الرسول صلى الله عليه وسلم غضاضة في الأخذ برأي واحد من عامة المسلمين وهذا الموقف يعطينا انطباعا هاما عن الجو العام السائد في الجماعة المسلمة آنذاك، ذلك الجو المليء بالثقة والمحبة والإيجابية وإبداء النصيحة وتقبل النصيحة.

وقد استخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهجية الحوار من خلال أحاديثه التعليمية للصحابة الكرام ففي حديثه عن حقيقة المفلس يروي أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. قال: ان المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة, ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا. فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار" (مسلم, حديث رقم 2581, ص 1585). ففي هذا الحديث بين الرسول صلى الله عليه وسلم حقيقة الإفلاس, وأزال الفهم الخاطئ من نفوس المتعلمين أو الطرف الآخر من المحاورة عن طريق الحوار والاستماع للآخر بل ومشاركة الآخر.

 

إن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم جميعا قد فهموا هذه المنهجية المؤمنة بالحوار فاستخدموه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل طلب العلم. عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: ما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة ولكن أحب الله ورسوله, قال: أنت مع من أحببت" (مسلم, حديث رقم 1207, ص 1207). لقد أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم السائل بغير ما سأل وهو ما يعرف بالالتفات للأهم. فالصحابي يسأل عن الساعة, والمعلم يطالبه بالإعداد لها والتزود لذلك ثم بين أن الأحبة في العقيدة والإيمان معا يوم القيامة.

 

ثم ان المحاور له الحق بالسؤال عما يريد وأن لا يضيق الطرف الآخر ذرعا بالسؤال, وأن يجيبه بما يحقق الهدف. فالحوار إذن عملية هدفية, وأبرز أهدافها تعديل السلوك وغرس معلومات عقائدية وأخلاقية تظهر على السلوك. ويجب أن يتسم الحوار بالهدوء والوضوح والتوجيه والإقناع بالأدلة والحجج. وأما المحاور فيجب أن يتصف بالرفق واللين والتواضع والصبر وكظم الغيظ وحسن الاستماع وحسن أسلوب المخاطبة وعدم الاستطراد والتدرج في التوجيه والتعليم, والبعد عن أسلوب مصادرة الرأي الآخر.

 

وفي قصة معبرة على حسن الحوار مع الآخر روي أن أبا حنيفة رحمه الله كان يناظر مجموعة من الملاحدة الذين يقولون بالمصادفة وينكرون وجود الله سبحانه وتعالى. فلما طالت المناظرة وكثر الجدل, دعاهم إلى لقاء آخر لإكمالها على أن يكون هناك شهود يحكمون من تكون له الغلبة. ولما جاء موعد اللقاء الجديد, جاء متأخراً والجميع ينتظر, فأخذوا يلومونه فقال لهم (دعوني أشرح لكم ما الذي أخرني فلعل لي عذراُ ) تعلمون أني أقيم في الطرف الآخر من المدينة, حيث يفصل النهر بيننا, وحين وصلت النهر, توقف أمامي لوح, ثم جاءت مجموعة ألواح أخرى التفت باللوح من جهاته الأربعة بشكل عمودي, ثم قذف النهر بحبال غليظة التفت حول الألواح بإحكام حتى ثبتتها، وهكذا وجدت نفسي أمام سفينة صغيرة عبرت بها النهر إليكم.

قالوا له : ويحك أتضحك علينا؟ إن هذا أمر مستحيل. قال لهم: خسرتم وأقررتم على أنفسكم, أبت عقولكم أن تصنع المصادفة سفينة صغيرة, وسمحتم لها أن تصنع هذا العالم المعجز وهو أعقد من السفينة وأحكم وأكبر وأتقن.

 

 

 

ثقافة الحوار وحل المشكلات الجامعية:

خلفية القضية:

إن الثقافة هي الإطار والمضمون الفكري الذي يحدد السمات الأساسية لأي مجتمع. وكأن السمة الأساسية التي تميز الحياة المعاصرة في كثير من مجتمعاتنا هي ثقافة التسلط. وهذا التسلط إنما يتمثل في الثقافة الأحادية المسيطرة على كل شيء، من التربية إلى السياسة إلى الاقتصاد والآداب والفنون لتصل إلى اختيار الطالب مساره الأكاديمي في المدرسة إلى اختياره تخصصه في الجامعة ومن ثم قبوله في الوظيفة التي يرى له أنها هي الأنسب لمستقبله. 
في مقالته بعنوان "ثقافة القمع هي السائدة وثقافة الحوار غائبة" يشير مصطفى (2006) أن ثقافة التسلط هذه تسربت إلى لغة الناس مع بعضهم بعضاً وإلى طريقة تفكيرهم وحديثهم ومفرداته. وتمر هذه الثقافة عبر سلسلة ثقافية متكررة من القنوات الموجودة في الجسم الاجتماعي، والتي تسمى العلاقات الثقافية التسلطية. وأولى تجلياتها نجدها في العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة. فالمرأة في كثير من مجتمعاتنا تشكل مثالاً لممارسة ثقافة التسلط، ليس لها أن تختار، وبالتالي أن تناقش وتحاور وأن تفكر وتحلل. عليها أن تذعن لسلطة الرجل دون أي نقاش أو اعتراض، وبالتالي الجمود والشلل الذهني والتكيف مع ثقافة اللا حوار التي أصبحت جزءاً من حياتها اليومية.

بعد ذلك تنتقل ثقافة التسلط إلى مجال أوسع نسبياً لتشمل أفراد الأسرة من خلال علاقة الأب مع أبنائه، والتي تقوم أحيانا من خلال قانون التسلط والإذعان الذي ربما يحكم علاقتهما وبالتالي يغرس الأب الخوف والطاعة في نفوس أبنائه ويحرم عليهم الموقف النقدي الحواري فيما يتعلق بشؤون الأسرة، ويتعرضون إلى قائمة لا تنتهي من الأوامر والنواهي باسم التربية الخلقية وباسم معرفة مصلحتهم دون أي نقاش. وهذا ما يؤدي بالضرورة إلى حالة من الشلل الفكري، يعطل القدرة على التفكير والتحليل والنقد وهي جميعاً الشروط الرئيسة للارتقاء الفكري والاجتماعي.

وتتمدد ثقافة التسلط لتنتقل إلى خارج الأسرة، وبالتحديد إلى المؤسسات التربوية والتعليمية، لنجد جزءا من علاقة المدرس بالطالب هي علاقة تربوية تسلطية. فمهمة الطالب أن يحفظ عن ظهر قلب ما يقوله المدرس. وعليه ترديد أقواله وأفكاره في الامتحان حتى ينال النجاح. فإذا اجتهد وخالف مدرسه كانت عقوبته رسوب أو على الأقل انخفاض الدرجة، خاصة في المرحلة الجامعية. وبالتالي تتابع المؤسسات التعليمية ممارسة ثقافة التسلط التي بدأت في الأسرة، وبالتالي تتحول الدراسة إلى عملية تدجين ثقافي تفرض الحصار الفكري والثقافي على الطالب، كي يكون مجرد أداة مذعنة، ويتم تحت شعار غرس القيم الخلقية, قيم الاحترام والطاعة والنظام وحسن السيرة والسلوك, لا يسمح للطالب أن يعمل فكره أو أن ينتقد أو يتخذ موقفاً شخصياً، وبالتالي يقع ضحية ثقافة التسلط التربوية.

وتتابع ثقافة التسلط اتساعها لتصل إلى كثير من مؤسسات الدولة (إدارية، إنتاجية، إعلامية أو غيرها). فالعامل أو الموظف همه الأول والأخير رضا مديره وتنفيذ أوامره دون أي اعتراض حتى ولو كانت تمس المجتمع سلبياً، لعله يحصل على بعض المكاسب الوظيفية الشخصية. وعندما تعشش ثقافة التسلط في الإنسان على هذا المستوى المؤسساتي المجتمعي، لا بد للذهن أن يفقد مرونته وحرية حركته والاتجاه التحليلي النقدي. فالتحليل النقدي لا ينمو ويسود إلا في جو من العلاقة الديمقراطية الحقيقية، التي وحدها تجعل الحوار ممكناً في أركان المجتمع كافة.

وبالتالي يمكن القول أن أي نهوض مجتمعي إصلاحي لا يمكن أن يتحقق إلا في تأسيس ثقافة حوارية نقدية في الحقول المجتمعية كافة (الأسرة، المدرسة، الجامعة، المؤسسة الوظيفية، المؤسسات الدينية، النقابات، الأحزاب السياسية وغيرها من المؤسسات) والتي ترسخ حق الآخر بالاختلاف بغض النظر عن اتجاهه الاجتماعي والفكري والسياسي. ذلك لأن ثقافة الحوار هي التربة الخصبة لنمو بذرة أي حل لتلك الأزمات والمشكلات العديدة التي تعيشها مجتمعاتنا المعاصرة. إن ثقافة الحوار هي بمنزلة البوصلة التي ترشدنا إلى الاتجاه الصائب، الاتجاه الحواري النقدي الذي يرفض الإقصاء والتهميش مهما كان مصدره، وبالتالي إعادة الاعتبار الحقيقي لإنسانية كل فرد فعال في المجتمع بل وإشراكه في صنع القرار الذي يخصه على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية (مصطفى, 2006).

 

جذور الحل:

إن إحياء ثقافة الحوار في الوعي والإدراك لهو مهمة للجميع من خلال مدارستنا للتاريخ أو تفحص الحاضر أو تنبؤ المستقبل. ومن هنا نؤكد أن مختلف المؤسسات التربوية في المجتمع ينبغي أن تستوعب ثقافة الحوار كقاعدة تؤسس عليها مواقفها البناءة. و هنا ينبغي التأكيد على أن هذه القضية تعود إلى سبب رئيس يتمثل في طريقة التعليم في مؤسساتنا التعليمية. إن ممارسة التعليم بالتلقي فقط لا يمكن أن تصنع ثقافة للحوار. بل وحتى في مجال التعليم الديني فانه يتطلب ترسيخ معالم احترام الرأي الآخر كما كان واضحا في حيوية المدارس العقدية والفقهية عند علماء المسلمين الأسلاف. لذلك فلا مجال إلا لتقدير صاحب الرأي الآخر وعدم التسليم بوجود رأي واحد إلا في تلك المجالات العقدية التي أجمع عليها علماء المسلمين.

 

وبنفس المنهج فلا يمكن إتباع منهج التلقين في تعليم الثقافات  المختلفة والسياسات المتنوعة وبناء إيديولوجيات الإنسان حول واقع مجتمعه. "وما لم نعالج هذه القضية ونفسح المجال لسماع الرأي الآخر فلن نتمكن من الحصول على مجتمع متعدد يؤمن بحق الآخر في الاختلاف ويحترم اختلافه ويعذره في هذا الاختلاف" (حبش, 2006). ولا نقول أن ثقافة الحوار غائبة تماما لأن هناك الكثيرين ممن يؤمنون بحق الآخر في الحوار ويوافقون على احترام الاختلاف الحضاري للشعوب. وإلى زماننا هذا فلا زلنا نستخدم نفس المنطق في الاحترام مع كل من نختلف عنهم ويختلفون عنا أياً كان اختلافهم (نفس المرجع). إلا أننا ما زلنا بحاجة إلى ترسيخ أكثر لمثل هذه الثقافة كي تكون منهجا وطبعا وسجية للتعامل مع مختلف القضايا سواء كانت دينية أو ثقافية أو حضارية أو علمية أو غيرها. ويمكن أن تكون الجامعة مسرحا هاما جدا لترسيخ هذه الثقافة المطلوبة بين طلبة الجامعات بحكم أهمية دور الجامعة في المجتمع من جهة, وحساسية طبيعة العلاقات بين كثير من الطلبة من جهة أخرى.

 

لقد أثبتت الدراسات الميدانية في الجامعات أن للحوار أهميته القصوى في حل المشكلات, وخاصة ما بين الطلاب فيما بينهم وما بين الأستاذ والطالب, والإدارات المختلفة في الجامعة والطلبة. وكما أثبتت الدراسات أن ذلك يعود على الطلبة بما يلي:

  1. تحقيق مستوى تحصيلي أعلى
  2. يقل تغيبهم عن المحاضرات
  3. التمتع بالثقة بالنفس
  4. تقل لديهم مشكلات النظام والسلوك
  5. تقل المظاهر العدوانية لديهم وخاصة في علاقاتهم ببعضهم البعض
  6. يصلون إلى مستويات أعلى في التفكير وحل المشكلات
  7. يكونون أكثر إبداعا ومبادرة في النشاط والمناقشة ويسألون أكثر ويستمتعون بالتعلم
  8. يحبون مدرسيهم وزملاءهم والجامعة التي يدرسون فيها (التل, 1997, ص 470).

وتجدر الإشارة هنا إلى الدراسة الأكاديمية التي أعدها د. كامل الحوامدة مساعد عميد شؤون الطلبة في جامعة الزرقاء الأهلية حول أسباب العنف الجامعي للحد من انتشار هذه الظاهرة بين طلاب الجامعات. وقد قامت الدراسة على مجموعة من الأسئلة هدفت إلى معرفة مدى انتشار العنف بين الطلبة في الجامعات الأردنية الحكومية والخاصة، وهي: ما هي أنواع العنف التي يمارسها الطلبة داخل الجامعات، وما هي الدوافع الكامنة وراء هذه الظاهرة الاجتماعية ،وما مدى انتشار بعض الثقافات التي تساعد على سلوك العنف، و ما هي الآثار الاجتماعية الناتجة عن السلوك العنفي داخل الحرم الجامعي، وما هي وسائل التخفيف من هذه الظاهرة ".

وتبين نتائج الدراسة أنه يمكن مواجهة سلوك العنف بين الطلاب من خلال" لغة التحاور الحضاري التي تعتبر أساس التعامل بين الطلبة في الجامعات، وتقليص الهوة بين الطالب والأستاذ لأن ذلك سيؤدي إلى زيادة الثقة في نفسية الطالب، وزيادة الأنشطة الطلابية وزيادة البحث العلمي للطلاب لملء الفراغ ، وتشجيع الطلبة للانضمام إلى مجالس الطلبة وتكثيف التواصل للاطلاع على ما يستجد من مشكلات أولا بأول، وإيجاد مادة رئيسة تهتم بالقضايا السلوكية والمجتمعية ودعم الجوانب الايجابية في حب الانتماء للعشائر والعائلات والوقوف سدا منيعا في وجه الجوانب السلبية التي تنتج عن العصبية".

وبتفصيل أدق فان هذه الدراسة بينت أن أسباب العنف الجامعي تعود إلى الشعور بالكبت الزائد بنسبة 76%، أما العامل الثاني فالتركيز على الجوانب الأكاديمية وإهمال الجوانب الأخرى في بناء الشخصية وجاء بنسبة 75%، وبالنسبة للتعصب القبلي حصد نسبة 62% ، فيما جاء عدم الانسجام والتكيف مع محيط الجامعة بنسبة 52%، والشعور بعدم المساواة في تطبيق القوانين 51%، والشعور بوقت الفراغ 42% ومشاهدة الطلاب للمشاهد العنف بنسبة 31%، والتعليق على الجنس الأخر 26% ، والتعب والإرهاق من المواصلات 23%، والفقر والحاجة المادية21%، والتحريض على عرقلة المحاضرة 18%، والحمية والغيرة على الصديقة بنسبة 16% واستخدام الألفاظ غير السيئة بين الأصدقاء حصد نسبة 14% " الحوامدة (2006).

وانطلاقا من أهمية إنماء ثقافة الحوار في الجامعات الأردنية كانت تجربة جامعة فيلادلفيا في مؤتمرها العلمي الثامن لكلية الآداب والفنون عام 2003 والذي كان بعنوان "الحوار مع الذات" (أبو أصبع وآخرون, 2003). لقد ناقش المؤتمر مجموعة من الأوراق الهامة والتي تصب في تعزيز ثقافة الحوار لدى كوادر الجامعة كلها. بعض هذه الأوراق ركز على تأكيد ثقافة الحوار في المرجعية الدينية والفكرية وجذور التفكير الحواري في الثقافة العربية, وبعضها ركز على جوهر قضية الحوار كمشروعيته الإسلامية وأسسه وآدابه. وقد كانت هناك أوراق أخرى عن الآثار المترتبة على تعزيز ثقافة الحوار كتلك التي أكدت على دور الحوار وحرية التعبير في الازدهار الحضاري للأمة.

الخاتمة:

تخلص هذه الدراسة إلى النتائج التالية:

 

  • الحوار هو نتاج عقلية جماعية تؤمن بالآخر وجودا ورأيا وقرارا وتأثيرا. عقلية لا ترضى إلغاء الآخر ولا تسعى للسيطرة عليه فكرا وسلوكا. عقلية لا تحتكر العلم والمعرفة دون الآخر بل وتسعى لمشاركة الآخر عن طريق تقديره واحترام رأيه ومحاولة فهمه من أجل دوام الصلة معه. وبالتالي فإن للحوار دورا فاعلا في ترويض النزاعات وسوء الفهم بين الناس وتليين صلابة موقفهم كي يبنوا عقولهم على التسليم بنسبية الآراء وعدم إطلاق المعرفة وقابلية الرأى للمراجعة والتعهد بنبذ الأحكام المسبقة نحو الآخر.

 

  • يهدف الحوار إلى إبراز الجوامع المشتركة بين الطرفين وتعميقها في مختلف المجالات والتأكيد على ضرورة نشر قيم الاعتدال والوسطية والتسامح بين الناس والاستعداد لقبول الآخر.

 

  • إن أبرز ما يميز ثقافة الحوار من المنظور الإسلامي أنها تستند إلى القرآن الذي جعلها منهجا لحل معضلات الأمور حتى ولو كانت عقدية وتستند أيضا إلى السنة التي مارسا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إدارته للدولة الإسلامية.

 

  • إن تجربة التراث الإسلامي الرصين في إرساء معالم ثقافة الحوار بين أفراد المجتمع تعد نموذجا حيا مليئا بالمواقف التي تثمر حيوية وإيجابية في التعامل مع مختلف المشكلات.

 

  • إن ثقافة الحوار تعد أساسا متينا ومقوما رئيسيا لأي نهضة أو تقدم في المجتمع بشكل عام أو في المؤسسات التابعة له وخاصة المؤسسات التربوية.

 

  • إن على عاتق مؤسسات الدولة بشكل عام وعلى المؤسسات التربوية بشكل خاص ابتداء بالمدرسة ومن ثم الجامعة ومختلف المعاهد التربوية أن تقوم بدور فعال لترسيخ ثقافة الحوار على المستوى الإداري والتربوي التعليمي.

 

  • إن ثقافة الحوار من شأنها أن تصنع بيئة ايجابية فعالة في المؤسسات التربوية كفيلة بتحفيز الأفراد نحو الجد والبذل والعطاء بل وربما الإبداع في الإنجاز, مما يعود بالنفع على المجتمع ككل.

 

  • إن هناك علاقة طردية متينة بين رسوخ ثقافة الحوار في المؤسسات التربوية وبين انتشار الأمن والطمأنينة بين أفرادها. مما يدل على أن منهجية الحوار تكون فعالة بشكل كبير في حل المشكلات الطلابية في تلك المؤسسات.

 

التوصيات:

  • إن على الجامعات والكليات والمدارس وكافة المؤسسات التربوية أن تعمل على ترسيخ معالم ثقافة الحوار فيما بين أعضاء الهيئة الإدارية والهيئة التدريسية وكافة العاملين فيها بالإضافة إلى الطلبة أنفسهم. ويمكن أن يكون ذلك بعقد مؤتمر عام حول إنماء ثقافة الحوار في المؤسسات التربوية يتلوه عدد من الندوات الحوارات واللقاءات والفعاليات المختلفة حول موضوع إنماء ثقافة الحوار بين أعضاء المؤسسة. ويشار هنا الى تجربة جامعة فيلادلفيا في مؤتمرها العلمي الثامن لكلية الآداب والفنون عام 2003 والذي كان بعنوان "الحوار مع الذات" (أبو أصبع وآخرون, 2003) . بالإضافة إلى الندوة التي عقدتها جامعة القدس المفتوحة في نابلس بعنوان "دور الحوار والمشاركة  في بناء الحركة الطلابية" بهدف زيادة الوعي الفكري والتقبل الاجتماعي وتعزيز التمسك بالثوابت والأخلاق الدالة على التسامح وقبول الآخر برأيه دون احتكار الحقيقة (جامعة القدس المفتوحة, 2006).

 

  • إن على أعضاء الهيئة الإدارية في كافة المؤسسات التربوية أن يخضعوا لمجموعة دورات تدريبية حول مفهوم ثقافة الحوار وأهميته وأسسه وآدابه وأساليب استخدامه أثناء ممارسة مختلف الأعمال الإدارية.

 

  • ينبغي أن يمارس أعضاء الهيئة الإدارية في كافة المؤسسات التربوية ثقافة الحوار عند التعامل مع مدرسي وطلبة المؤسسة التربوية وأن يتعاملوا مع العاملين وفق منهج احترام الرأي الآخر وتقدير فكره ومعتقداته.

 

  • إن على أعضاء الهيئة التدريسية أن لا يقتصروا على أسلوب التلقين والمحاضرة مع طلبتهم, بل عليهم أن ينوعوا من أساليب تدريسهم لتشمل في المقام الأول أسلوب الحوار والمناقشة والذي يتيح للطلبة إبداء آرائهم والتعبير عن شخصياتهم بكل صراحة ووضوح وجرأة وثقة.

 

  • ضرورة عقد دورات إدارية منهجية تدريبية لأفراد المؤسسات التعليمية في موضوعات تهمهم وعلى رأسها ثقافة الحوار. إن الطالب الجامعي على وجه الخصوص بأمس الحاجة ليتدرب على مهارات بناء وترسيخ منهج الحوار لديه كأسلوب للتخاطب مع الآخر من جهة, أو لحل مختلف المشكلات من جهة أخرى.

 

  • إن على المؤسسات التربوية بشكل عام والجامعات بشكل خاص أن تهيئ بيئة إيجابية تسمح للطلبة بالتعبير عن آرائهم بحرية. بل إن على المؤسسة كذلك أن توفر صحافة حرة نشطة ومنابر حوارية مفتوحة تلبي رغبة في نفوس الطلبة لإظهار مختلف إبداعاتهم بشتى التخصصات.

 

 

المراجع:

القرآن الكريم

أبو أصبع, صالح؛ المناصرة, عز الدين؛ عبيد الله, محمد, (2003), الحوار مع الذات, أوراق المؤتمر العلمي الثامن لكلية الآداب والفنون, جامعة فيلادلفيا, 28 – 30 تموز (يوليو) 2003, عمان: دار مجدلاوي للنشر والتوزيع

أحمد, بن حنبل, (د ت), مسند الإمام أحمد, بيروت: المكتب الإسلامي

الأصفهاني, الراغب, (د ت), المفردات في غريب القرآن, بيروت: دار المعرفة

ابن سينا, الحسين بن علي, (1983), الشفاء, مركز تحقيق التراث

ابن منظور, محمد بن مكرم جمال الدين أبو الفضل المصري, (د ت), لسان العرب, ج4, بيروت: دار صادر

البلوي, سلامة محمد, دور حرية التعبير في الازدهار الحضاري, (2003), مؤتمر الحوار مع الذات, أوراق المؤتمر العلمي الثامن لكلية الآداب والفنون, جامعة فيلادلفيا, 28 – 30 تموز (يوليو) 2003, عمان: دار مجدلاوي للنشر والتوزيع

التل, سعيد وآخرون, (1997), قواعد التدريس في الجامعة, عمان: دار الفكر للطباعة والنشر

جامعة القدس المفتوحة, (2006), ندوة دور الحوار والمشاركة  في بناء الحركة الطلابية, http://www.qou.edu/homePage/arabic/studentsAffairs/activities.jsp تاريخ الدخول 22\3\2007

الجرجاني, علي بن محمد بن علي, (1987), التعريفات, بيروت: عالم الكتب

حبش, محمد (2006), جذورنا الثقافية والدينية والعرف غنية بثقافة الحوار وسيادته,  http://www.al-majalla.com/ListMuajaha.asp تاريخ الدخول 1\4\2007

حنفي, عبد الحليم, (1985), أسلوب المحاورة في القرآن, القاهرة: الهيئة القطرية العامة للكتاب

الحوامدة, كمال (2006), العنف الجامعي: دراسة أكاديمية على الجامعات الأردنية,  http://ammannet.net/look/article.tpl تاريخ الدخول 5\4\2007 

راشد, علي, (1988), الجامعة والتدريس الجامعي, جدة: دار الشروق

ربابعة, فراس محمد, (1999), الحوار النبوي في العهد المدني, رسالة ماجستير غير منشورة, كلية الشريعة- جامعة اليرموك, اربد- الأردن

زرمان, أحمد, الحوار في مرجعيتنا الدينية والثقافية, (2003), مؤتمر الحوار مع الذات, أوراق المؤتمر العلمي الثامن لكلية الآداب والفنون, جامعة فيلادلفيا, 28 – 30 تموز (يوليو) 2003, عمان: دار مجدلاوي للنشر والتوزيع

الزيات, أحمد حسين, (د ت), المعجم الوسيط, ج1, بيروت

زيادة, خليل عبد المجيد, (د ت), الحوار والمناظرة في القرآن, بيروت: دار المنار للطباعة والنشر

السماك, محمد, (2002), ثقافة الحوار في الإسلام: حرية الاختيار وحق الاختلاف, لبنان: جريدة النهار, الأحد 17 تشرين ثاني\ نوفمبر

السيوفي, علاء, (2006), الدليل الألمعي لأخلاق الأستاذ الجامعي, http://www.islamonline.net/Arabic/In_Depth/BackToAllah/Articles/2006/02/05.SHTML , تاريخ الدخول 5\4\2007

عبد الجواد, محمد أحمد, (2005), الإدارة بالحوار, القاهرة: دار التوزيع والنشر الإسلامية

علي, سعيد إسماعيل, (2004), الخطاب التربوي الإسلامي, الدوحة: سلسلة كتاب الأمة

مسلم, النيسابوري, (د ت) صحيح الإمام مسلم, بيروت: دار ابن حزم

مصطفى, طلال (2006), ثقافة القمع هي السائدة وثقافة الحوار غائبة,  http://www.al-majalla.com/ListMuajaha.asp تاريخ الدخول 1\4\2007

الميداني, عبد الرحمن حبنكة, (1981), ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة, ط2, بيروت: دار القلم

النحلاوي, عبد الرحمن, (2000), التربية بالحوار, دمشق: دار الفكر